الستات هم اعداء النساء
كتبت المقاله : آيه سامـــــــي
قد تبدو جملة من جمل القذافي الشهيرة التي امتازت بالتناقض الشديد وسببت الكثير من السخرية. ولكنها ليست من أقوال القذافي؛ بل ينطق بها الكثيرون/ات وخصوصا في وجه المدافعات/ين عن حقوق النساء، ولسان حالهم يقول “لا توعظننا، فأنتن أعداء أنفسكن” أو “منكو فيكو”. فيتحول كل الذنب واللوم على النساء اللاتي تقفن في وجه حقوق النساء، اللاتي تردن لبناتهن الختان، واللاتي تقفن عقبة في طريق مستقبل بناتهن العلمي أو العملي، وهن من يتعاملن مع بعضهن البعض بالكثير من العنف في المجال العام وهن من يغرن ويحقدن على غيرهن من النساء. إذا .. هن أعداءهن! تعالوا نفكك كل هذه الإدعاءات التي يؤمن بها البعض إيمانهم/ن بالحقيقة لنرى ما أصل هذا.
نساء ورجال هذا المجتمع هن/م نتاجه. ولما كان المجتمع غارقا في بحر الذكورية، ولما كانت النساء هن المتعرضات لظلم قواعد الذكورية أكثر من الرجال، فقد كنّ أكثر إحساسا بمخاطر مخالفة أوامر المجتمع. الأم التي تصر على ختان ابنتها، ألا تعرف مدى الألم والمعاناة الجسدية والنفسية والجنسية التي تقع على الفتيات اللاتي يتم ختانهن؟ لا أتصور أن هناك امرأة غير مختنة ستصر بأي حال على ختان ابنتها. إذا، فهي الأم المختونة التي تدفع بابنتها تحت سكين الختان الذي ذاقت ألمه وتأثرت بسببه بأشكال شتى. ولكن ماذا يحدث إن لم تختتن الابنة؟ هناك البعض ممن ما زلن يعتقدن أن الختان سيسيطر على شهوتها ويمنعها من “المشي البطال” وهو خطاب ذكوري يسيطر على عقليات الرجال والنساء في بعض المجتمعات وهو خطاب لا تستفيد به المرأة على أية حال أو بأية طريقة، فمن المستحيل أن تكون امرأة هي من ابتدعته. وهناك على الجانب الآخر من ترين أنه لا يزيد شرفا أو عفة ولكن إن لم يحدث فابنتها لن تتزوج وهذه مصيبة في حد ذاتها – وكونها مصيبة هو إحدى نتائج الذكورية المتشبع بها مجتمعنا. فالأم حين تصر على ختان ابنتها فهي لا تفعلها عن عداوة أو كراهية بينما تفعلها عن خوف ورهبة من نتيجة عدم الانصياع للمجتمع الذي يأمرها بذبح ابنتها افتداء للشرف.
الأم التي لا تسمح لابنتها بزيارة الصديقات أو التأخر لأوقات متأخرة، وربما تجبر ابنتها على ارتداء الحجاب، أتفعل ما تفعل هذا لأنها تكره ابنتها؟ أو لأن ابنتها تنافسها مثلا في الجمال أو أن الأم تغار من ابنتها التي تعج حياتها بالأصدقاء والصديقات؟ أم أنها تفعل ذلك بدافع من الخوف إن تأخرت ابنتها أو ذهبت لبيت صديقتها ذات الأخوة الرجال؟ هي تخاف على ابنتها من نظرة المجتمع كما تخاف عليها من المتحرشين والمغتصبين الذين يفلتون بلا عقاب في كل مرة ولا يتضرر إلا الناجية. وما الذي جعل تأخر النساء عيبا؟ وما الذي دفع بإباحة التحرش والاعتداءات الجنسية؟ أليس المجتمع الذي يأتي باللوم على الفتاة بسبب ما ترتدي أو وقت نزولها أو مكان تواجدها بينما لا “يكلف خاطره” بتأمين الشوارع أو البحث وراء الأسباب الحقيقية أو تعليم الصبية والرجال احترام النساء أو سن قوانين رادعة توقف هذا الكابوس المقرف الذي نعيشه؟ هل المرأة هي المتسببة في التحرش؟ هل هي من تتحرش بفتيات ونساء؟ أم أنها فقط تخاف على ابنتها؟ وهل حين تقول لابنتها “لا تردي” أو “لا تسبي المتحرش” تكون ضد ابنتها أو تكون مستمتعة بأن ابنتها يتم التحرش بها؟ أم أنها تخشى “الفضيحة” حيث أن شوارعنا التي تعج بالأنطاع ستلومها هي وأنه إن وصل الموضوع إلى قسم الشرطة وهو أمر شبه خيالي لم يحدث إلا أقل القليل ستكون تهمة المعتدي هي “هتك عرض” وبالتالي ما يفهم أن ابنتها في أوراق الحكومة –المقدسة كما الكتاب- بلا عرض؟ ثم من هذا العبقري الذي سن قانونا أسمى فيه أي اعتداء يقع على امرأة بـ”هتك العرض” ؟ ألم يكن رجلا هو من صاغ هذا؟ وأليست نظرة ذكورية هي تلك المهووسة دائما بالعرض والشرف اللذين تضعهما دائما بين فخذي النساء؟
المرأة العاملة التي تتعامل مع زميلاتها بالكثير من العنف أو الغيرة. آه، ثانية واحدة.. ألا يفعل الرجال الشئ نفسه؟ ألا يحاولون دائما ابهار الرؤساء واظهار أنفسهم على أنهم من يقومون بالأعمال على أكمل وجه؟ إذا، فهي ليست “عادة النساء”. أما كون المرأة تعمل بعنف، فأراه نتيجة طبيعية لنظرة المجتمع لعمل المرأة على أنه غير كاف. “لمَ قد أقبل بالعمل امرأة بينما أستطيع تعيين رجل؟ فهذه “مصيرها للجواز” والمرأة بعد الزواج لا تعمل بشكل كفء.” حقيقي؟ لا! المرأة تعمل بجدية لأنها تعلم مسبقا هذه النظرة ولأنها تريد البقاء على هذا العمل لأنه دخلٌ لها يحميها ويساعدها ويساعد من حولها كما أنه الفرصة الوحيدة التي قد تجدها لتثبت خرف النظرة المجتمعية، وفي سبيل ذلك، قد تكون عنيفة مع زملاءها وزميلاتها. وردا على السؤال الذي قد يطرح الآن، نعم، قد تكون أعنف مع زميلاتها النساء حيث أنهن أصلا يتنافسن على مقاعد قلة قليلة، هي كوتة وكل عشرة لهن كرسي، هي صراع بين كل منهن والأخرى كصراع الجلادياتور والأسد، يجب أن تقاتل وإلا ستؤكل. ماذا لو أن كل المجال متروك للكل؟ ماذا لو لم توجد أصلا نظرة مجتمعية تقول بأن النساء لا تصلحن للعمل كما الرجال؟ أكان الوضع سيستمر على هذا النحو من العنف؟ أشك!
لا أتهم كل الرجال بالتخاذل وتبني النظرة الذكورية. ولا أقول أن النساء “ضحايا” وكلهن ملائكة. ولكن فقط أقول أن الخوف الذي وضع بذرته المجتمع في عقل النساء هو ما جعل بعضهن يهرعن إلى إيذاء الأخريات. كل المطلوب إعادة النظر في كل الأسئلة السابقة لتبين ما إذا كانت النساء عدوات أنفسهن. وأطلب من النساء نبذ البذرة وعدم ريها والتضامن.. حيث لا سبيل لنا إلا هذا.